د. ابتسام المتوكل
اكتب لأحظى بشرف المحاولة، محاولة الاقتراب من شاهق الإعجاز وفرادة الفعل، فالكلام هنا يشحب ويتوارى أمام بطولة وأبطال لا عهد للغة بهم، فهم فوق اللغة وفوق المعاني، هم سادة الفعل، وهم أساطير المعنى تمثل في لحظة الدفاع عن التراب، وعن الغيمة والبحر، وهم نار على العدو، هم يهطلون بردا وسلاما على البلاد وفيها:
في الصورة جبل يمني يحمل جبلا يمنيا مجروحا
وهنا في الصورة شلالات الموت تصب نارها على قدمين حافيتين إلا من النور والتضحية؛ ثم ماذا؟ ماذا هنا لنراه؟
هنا يمن أبي صامد وحده!
هنا في هذه الخطوات ينبثق من جوف الجوف يمن خالص الأصالة والتضحية والبطولة والفداء، ومن جوف البطل تخرج أسطورة تنبت شجرة الوفاء السائرة على قدمين محاصرتين بالنار ومهددتين بالموت!
في تلك الخطى المحفوفة بالموت الهاطل من أنياب الرصاص المتوحش، في تلك الخطى، تحديدا، تتبلور هويتنا اليمنية كأصفى ما تكون ،وأنقى ما تتجسد عليه هوية أمة يمانية، أذهلت غرف عمليات العدو المدججة بخبرات أكاديميات عسكرية، واستخباراتية وبحثية، قدمت خلاصتها في عاصفة أحالتها تلك الخطى الشامخة وأخواتها إلى محض وهم وهزائم !
آهة -أو اثنتان بل ربما ثلاث- أفلتت في كل المشهد أهي نابعة من جوف الأرض أم من جوف الرجل؟ لا يهم فقد توحد الاثنان لكن المهم أنها ليست آهات خوف من العدو، وسيول رصاصاته، وليست خوفا على النفس من أن ترتقي إلى مقام الخالدين؛ إنما هي آهات حنو على الجبل الملقى جريحا على كتفي جبل يتحدى الموت بثقة المنتصر في كل حال.
في تلك الخطى الشاهقة الإدهاش الباذخة السحر يقطع البطل مسافة نصف كيلو، بل نصف مجرة، ويمحو وهم تحالف قاد نصف العالم ضد هذا البطل، واشترى النصف الآخر ضد دمه وترابه وأهله، دون أن يجني لحظة نصر بل حصد هزيمة كاملة في ذلك النصف، وفي كل شبر ؛حيث رجال الرجال كلهم من هذه الطينة اليمنية المعجونة بالطيبة والكبرياء بالتسامح والإقدام وبالقدرة على اجتراح المعجزات في زمن الهزائم والانبطاح للصهيونية وداعمها الأمريكي وأدواتها المتصهينة المؤمركة.
في تلك الخطى التي يحمل صاحبها هم النجاة برفيقه الجريح تنتصر اليمن كما لم تفعل في كل معاركها تنتصر بتلك الخطى في معركة مختلفة لا يعرفها منطق النفط، ولا لمعة الدولار، يعرفها فقط ذلك اليمني الذي قاد بمفرده معركتنا جميعا، وقال وحده قيمنا جميعا، و فعل وحده ما يتوجب أن نقوم به جميعا، فحق لنا أن نستند على هذه الخطى لنكتب البطولات الحقيقية والأبطال البسطاء النبلاء، و لننقش في جدار الحرب مسند انتصارنا بحروف تخطها أقدام أبطال يمانيين، ولنرسم على وجه التراب نهاية العدوان، وبداية اليمن الطالع من بهجة النصر، واساطير الفداء، فسلاما على يمن هؤلاء بنوه، وسلاما على نساء أنجبن رجالا لا يطاولهم في الرجولة بشر ولا يدانيهم في التضحية أحد ، رجال صدقوا الله والوطن والقيم فأثمر صدقهم ما لا يصدقه الكاذبون، ولكنه يشفي صدور قوم مؤمنين.