بقلم د. أحمد صالح النهمي
ـــــــــــــــــ
1
رحمك الله أيها الشهيد الخالد الذي لم يحتمل تحالف العدوان الإرهابي أن يرى اليمنيين يتدفقون في موكب وداعك الأخير سيولا بشرية قادمة من كل الجهات إلى ميدان السبعين بصنعاء …نعم لم يتوقعوا هذا الحشد الكبير ، فعبروا عن حماقتهم بشن الغارات، وإطلاق الصواريخ على محيط السبعين، لتفريق المشيعين وإخلاء الميدان… بيد أن الغارات التي راح ضحيتها شهيد وجريحان لم تزد المشيعين إلا ثباتا وصمودا وتدفقا .
في قرارة نفسه يتساءل التحالف الأجرب:
لماذا تقاطر اليمنيون زرافات ووحدانا إلى وداع الرئيس الصماد ؟، ولماذا لم يفر المشيعون من غارات العدوان، وهي تقصف بالقرب منهم؟
2
عشرون شهرا تقريبا هي الفترة الزمنية التي أدار فيها الصماد قيادة المجلس السياسي الأعلى ، رئيسا بتوافق مكوني الأنصار والمؤتمر، وهي فترة بمقاييس الزمن ليست كافية لبناء علاقة تفاعل إيجابي بين الشعب والرئيس، لكن الجماهير احتكمت في علاقتها بالرئيس إلى مقاييسها الخاصة التي فرضت عليها احترام شخصية الصماد، والاحتشاد الكبير في وداعه .
لقد رأى اليمنيون في الرئيس الصماد زعيما وطنياعفيف اليد شريف النفس، يؤمن باليمن وسيادته واستقلاله، وحريته وكرامته قولا وعملا.
رآه اليمنيون في قلب جبهات المواجهة مع الصفوف المتقدمة مجاهدا باذلا روحه وماله في سبيل وطنه وحريته واستقلاله، يعزز معنويات المجاهدين، ويستمد منهم المعنويات لنفسه وللشعب اليمني.
أيقن اليمنيون أن هكذا رئيس لم يأت إلى موقع المسئولية ليجمع المال ويبني الفلل، ويراكم الأرصدة، ، وربما كانت مفاجأة للكثيرين حين أعلن في خطابه الذي ألقاه مؤخرا في محافظة ذمار بأنه إذا استشهد (غد)، لن يجد أولاده في نهاية الشهر بيتا في صنعاء يسكنون فيه، وليس أمامهم إلا أن يعودوا إلى مسقط رأسهم في بني معاذ بصعدة.
وربما تفاجأ بعض الحاضرين من الوزراء والمسئولين والمشرفين، وهم يقيسون مضامين خطاب الرئيس بما جمعوا من أموال وحققوا من مكاسب، من مواقعهم المتدنية في السلطة، كما كانوا يتفاجأون وهم يشاهدون في الأخبار تنقلات الرئيس في الجبهات المختلفة، وهم رابضون في طيرماناتهم لم يغادروا صنعاء.
نعم …لقد حقق الصماد مكانة لائقة في وجدان الشعب اليمني بنزاهته ووطنيته وابتعاده عن المحسوبيات، فلم يصدر قراراته الرئاسية لابنائه وأخوانه أو بني عمومته، وأهالي منطقته ليتربعوا المناصب العليا في جهاز الدولة، كما فعل السابقون له، أو كما يفعل هادي وحكومة ابن دغر، أو حتى كما يفعل بعض الوزراء في حكومة حبتور…
3
ذلكم هو صالح الصماد الذي خسره خصومه السياسيون، قبل أن يخسره أصدقاؤه ومحبوه، فالعدو العاقل خير من الصديق الأحمق، فما بالك، وقد عرفوه رجلا نبيلا يرعى العهود، ويحترم المواثيق، حريصا على لم الصف، واحتواء الفتن، وعرفوه – كما عرفه الشعب – داعية سلام، ظل يوجه دعوات السلام والمصالحة الوطنية إلى خصومه في الطرف الآخر في أغلب خطاباته السياسية، بلغة أخوية تنشد السلام للشعب كل الشعب، وتبدي استعدادها للحوار، ليتفهم كل طرف مخاوف الطرف الآخر، ولكنهم لم يستجيبوا لدعواته المتكررة، ولن يستجيبوا،لأنهم أصلا لا يمتلكون الصلاحية في هكذا قرار، فمن يدفع لهم أجر العازف هو الذي يحدد لهم إيقاع اللحن الذي يرددون نغماته، وخشبة المسرح التي يرقصون تحت سقفها .
4
وأخيرا لقد أعلن الرئيس المشاط استمراره في مواصلة ذات الدرب لتحقيق مشروع الرئيس الشهيد الصماد (يد تبني، ويد تحمي)، لبناء الجمهورية اليمنية القوية القادرة على مواجهة التحديات المختلفة، القادرة على الحفاظ على سيادتها واستقلالها، وحريتها… وهذا أمر جيد جدا يجب أن يترجم على المستويين، التنظيري والعملي.
ففي المستوى التنظيري يتم استكمال مشروع بناء الدولة بوضع رؤية متكاملة تعبر عن أحلام الشعب اليمني في الوصول إلى الدولة المدنية العادلة ،دولة النظام والقانون، والعدل والمساواة، والديمقراطية والحرية، الدولة التي ناضل من أجلها الشعب اليمني طويلا، وفي هذا المستوى أنصح بالإفادة من فكر الشهيد الأكاديمي البروفيسور أحمد شرف الدين الذي أعلن ملامح بناء الدولة المدنية في مؤتمر الحوار الوطني .
وعلى المستوى العملي: إعلان عهد جديد خال من الفساد يقتضي السير الجاد في محاسبة الفاسدين، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بمعايير موضوعية لفرز الكفاءات إلوطنية القادرةعلى إدارة جهاز الدولة بعيدا عن أي معايير أخرى تتناقض مع مبدأ المساواة التي هي جوهر المواطنة ، وهو الأمر الذي سيعزز الصمود ويرفع من فاعلية المواجهة حتى انتصار الوطن، وهزيمة العدوان وأذنابه.
وقبل هذا وذاك يجب استشعار معاناة الموظفين والعمل الجاد لصرف ما أمكن من مرتباتهم بصورة مستمرة، بعد صرف المرتب الذي أعلن عنه الرئيس الشهيد الصماد.