قُوَّات “القُبَّعات الخُضر” الأمريكيّة دَخَلت الحَرب اليَمنيّة للقِتال إلى جانِب التَّحالُف السُّعودي

بقلم/ عبد الباري عطوان

ـــــــــــــ
بعد أكثَر من ثلاثِ سَنواتٍ من الإنكار، اعترفت وزارة الدِّفاع الأمريكيّة (البِنتاغون) على لِسان مُتحدِّثٍ باسمِها، أنّ لديها قُوّات في اليمن تُساعِد في العَمليّات اللوجستيّة والاستخبارات، وفي تَأمين الحُدود السعوديّة، وقالت “أنّها قلقة من استمرار التَّأثير المُؤذِي لإيران في المِنطَقة عبر حُلفائها الحوثيين و”حزب الله” على حَدٍّ سَواء”.
هذا الاعتراف الصَّريح والواضِح يأتِي بعد ثَلاث سنوات من الإنكار والاكتفاء بالقَول بأنّ الدَّور الأمريكي في حرب اليمن يَقتَصِر على تَزويد طائِرات حَربيّة سعوديّة بالوُقود في الجَو، وبَيع صفقات أسلحة وذَخائِر حديثة للمملكة، وتبادُل المَعلومات الاستخباريّة، عَلاوةً على دَور قديم تُمَثِّل في استخدام طائِرات مُسيَّرة “درونز” في مُطارَدة عَناصِر تنظيم “القاعِدة” وتَصفِيَتهم.
وزارة الدِّفاع الأمريكيّة “البِنتاغون” اضطرَّت إلى الخُروج علانِيّة، والحَديث بهَذهِ الصَّراحة عن قِتالها إلى جانِب قُوّات التَّحالُف العَربيّ بقِيادة السعوديّة في اليمن، بعد أن كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” وُجود قُوّاتٍ أمريكيّة تُنَفِّذ مَهامٍ سِريَّة من دُون عِلم جِهاتٍ عديدةٍ جَنبًا إلى جنب مع قُوَّات الجيش السعودي، وقالت الصَّحيفة في تقريرها “أنّ قُوّات أطلقت عليها اسم “القُبَّعات الخَضراء” انخرًطت في مَعارِك في شمال اليمن ضِد قُوّات “أنصار الله” الحُوثيّة”، وذكرت أنّ عَدد هَذهِ القُوّات يَصِل حاليًّا إلى 12 عُنصُرًا، تُنَفِّذ مهامها خاصَّةً، خَلف خُطوط العَدو.
*
الأَمر المُؤكِّد أنَّ تِعداد هذهِ القُوّات الخاصَّة (القُبَّعات الخَضراء) أكبَر بكثير من الرَّقم المَذكور، أي 12 خَبيرًا عَسكريًّا، لأنّها جاءَت أوّلاً بِطلبٍ من الأمير محمد بن سلمان، وَليّ العهد السعودي، والحاكِم الفِعلي في المملكة أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن، وثانِيًا، لأنّ مُهِمَّتها تتركَّز حول كَيفيّة رصد، ومن ثُمَّ تَدمير، الصَّواريخ الباليستيّة الحُوثيّة التي استهدفت مَواقِع عَسكريّة ومَدنيّة سُعوديّة وزاد تِعدادها عن 105 صَواريخ حتى كِتابَة هَذهِ السُّطور، وباتَت تُشَكِّل قَلقًا للسُّلطات السعوديّة.
من المُفارَقة أنّ هذا الكَشف عن وجود خُبَراء عسكريين أمريكان يُقاتِلون إلى جانِب قُوّات التَّحالُف العَربي على الحُدود السعوديّة اليمنيّة، قُرب صَعدة، يتزامَن مع قرارٍ للحُكومة السودانيّة بسَحب جميع قُوّاتِها في اليَمن أواخر شهر حزيران (يونيو) الماضي بعد تَعاظُم أعداد الخَسائِر في صُفوفِها، وتَصاعُد الغَضب الشَّعبيّ من استمرارِ بَقائِها في حَربٍ ليس للسُّودان ناقَةٌ فيها ولا بَعير.
دُخول الولايات المتحدة في حَربٍ مُباشِرة ضِد إيران وحُلفائِها في اليمن، وبَعد ثلاث سَنوات من اشتعالِ فَتيلِها، يُؤكِّد أنّ الحَل العَسكريّ للأزمة ما زالَ يَتقدَّم على الحَل السِّياسيّ، وأنّ سَير المَعارِك في الجَبَهات اليمنيّة لا يَسير لصالِح قُوّات التَّحالُف السُّعودي، والأهَم من ذلك أنّ الولايات المتحدة تُريد الانخراط في حَربٍ ضِد إيران وحُلفائِها بالأصالةِ وليس بالإنابة.
من غير المُستَبعد أن يكون هذا التَّدخُّل العَسكريّ الأمريكي المُباشِر في اليمن، جاءَ في إطارِ مُقايَضةٍ أو مُكافأةٍ للمملكة العربيّة السعوديّة مُقابِل اشتراكها في الحَرب الأمريكيّة المُباشِرة أو غَير المُباشِرة ضِد إيران، والمُرَشَّحة للتَّصاعُد بعد انسحابِ الولايات المتحدة مِن الاتِّفاقِ النَّووي بَعد عَشرةِ أيّامٍ على الأكثَر.
هُناك تَفسيرٌ آخر لا يُمكِن تَجاهُله، وهو أنّ قُوّات “القُبَّعات الخُضر” الأمريكيّة هَذه، وانخِراطِها في حرب اليمن لحِماية الحُدود السعوديّة، وتَدمير الصَّواريخ البالِيستيّة الحُوثيّة، والإعلان عنها، بهَذهِ الصُّورة ربّما جاءَت لتَبرير إرسال قُوّات سُعوديّة إلى شمال شرق سورية لِمَلء أي فَراغ قد يَنجُم عن انسحابٍ كُلِّيٍّ أو جُزئِيٍّ للقُوّات الأمريكيّة، وكأنَّ لِسان حال القِيادة العَسكريّة السعوديّة يقول “ها هِي أمريكا تُقاتِل إلى جانِب قُوَّاتِنا على الحُدود اليَمنيّة، فلماذا لا نُقاتِل مَعها إلى جانِب قُوَّاتِها في الحَسكة والقامِشلي والرقَّة؟
لا نَعتقِد أنّ وجود قُوّاتٍ أمريكيّة، وبأعدادٍ كبيرة أو صغيرة، سَيُؤدِّي إلى تَغييرِ المُعادَلات العَسكريّة على أرض اليَمن لمَصلحة التَّحالُف العَربي وإن كان سيُساهِم في رَفع مَعنويات قُوَّاتِه بَطريقةٍ أو بأُخرى، ولكنّنا نَجزِم بأنّ هذا الوُجود سيُعزِّز الدِّعاية وأساليب التَّحشيد الحُوثيّة، وتَسهيل مُهِمَّتها في تَجنيد أكبر عَددٍ من اليمنيين في صُفوفِها، وهي الدِّعاية التي كانَت تقول بأنّ “أنصار الله” يَخوضون حَربًا ضِد أمريكا وإسرائيل دِفاعًا عن اليمن وهَويَّتِه، ولم تَجِد الأصداء المَطلوبة لدَى مُعظَم اليَمنيين.
*
فإذا كان وجود أكثر من 200 ألف جُندي أمريكي في العِراق، و130 ألفًا أُخرى في أفغانستان، لم يَنجَح في حَسم الحَروب لمَصلحة البيت الأبيض على المَدى الطَّويل، وكَلَّف الخَزينة الأمريكيّة أكثر من 7 تريليون دولار، حسب اعتراف الرئيس ترامب شَخصيًّا، فهل سيَنجح أصحاب “القُبَّعات الخَضراء” أو “الحمراء” حيث فَشِلت تِلك القُوَّات في البَلدين المَذكورين؟ وكم سَيكون حجم الخَسائِر البَشريّة والمادِيّة الإضافيّة؟
إدارة الرئيس ترامب تَتخبَّط في مِنطَقة الشَّرق الأوسط، وتَخرُج من هزيمةٍ لتَدخُل في أُخرى، وتُصِر دائِمًا على عدم التَّعلُّم من أخطائِها، ودُروس إخفاقاتِها.. ونَجزِم أنّها سَتكون خَسارَتها أكبر بِكَثير من خَسائِرها في العِراق وسورية وأفغانستان إذا ما تَورَّطت عَسكريًّا بِشَكلٍ أكبر في اليمن، حيث هُناك من يَنتظِر وصول قُوَّاتِها على أحَرِّ من الجَمر.. سواء كانوا حوثيين أو “قاعِديين”، أو “دواعش”، أو حتى أُناس بُسَطاء غير مُنتَمين.. فالمُقاتِل اليَمني صَعبُ المِراس، ومِثله مِثل الكَثير من العرب، وهو أصل العرب، لا يَكِن إلا الكراهِيّة لأمريكا، ولا يَرضَى إلا في الوُقوف في الخَندق المُقابِل لها.. والأيّام بَيْنَنَا.

إغلاق القائمة