حمزة الحسن | كاتب سعودي
مع أن الحرب لم تتوقف، إلاّ أننا جميعاً نكاد نجزم الى أين تتجه نهايتها، وهي الهزيمة المطلقة للمعتدي، ومعها الخزي والعار والإهانة.
ترى ماذا نستفيد نحن (المسعودون) من هذه التجربة المرّة التي قاربت نهايتها؟!
وهل كان أحدٌ يتوقع أن تنهزم الرياض في اليمن؟
معظم ـ إن لم يكن كل ـ المعطيات (المادية) تقول بأن السعودية قوة عسكرية هائلة، تستطيع حسم الموقف العسكري وإنهاء (أنصار الله) فكيف بها إذا كانت تدعمها تحالفات دولية تغطيها سياسياً؟
وكيف بها إذا شارك معها عسكريا تحالف عشر دول أو أكثر؟
أين يكمن الخطأ؟ وأين هو الدرس؟
توقعت الرياض بحساباتها، كما بحسابات الأمريكان، أن القوة العسكرية الظاهرية، قادرة على حسم الأمر لصالح المعتدي وعلى هذا الأساس كان تقدير مدة الحرب بأسابيع فقط، وعلى هذا الأساس اتخذت خطوات حصار اليمن كليا، وقصفه من كل الاتجاهات!
كل المؤشرات تفيد بنجاح!
الدرس هو: هناك حدود لما يمكن أن تفعله القوة (الظاهرة)، قد لا تكون الرياض بالغت في تضخيم قوتها العسكرية (المادية) حين بدأت الحرب.
وقد لا تكون الرياض قد أخطأت في وضع سقف عالٍ من الأهداف، يصل إلى حدّ التبشير بنصب مشانق في صنعاء للسيد عبد الملك الحوثي والرئيس السابق علي عبد الله صالح!
لكنها بلا شك، هي وحلفاءها بمن فيهم الأمريكيون، قد أساءوا فهم معنى (القوة) وإساءة الفهم هذه، يقع فيه الأفراد كما الشعوب والحكومات وأصحاب السلطة.
إحدى نظريات (القوة) عند الغرب تقول بأنها تتمتع بحالة سيولة، بحيث لا يمكن حصرها في يد أحد، أو جهة معيّنة.
بمعنى أن القوة متنقلة يمكن أن تكون لك اليوم، وتكون بيد غيرك غداً.
والقوة وفق هذه النظرية تقول أيضا، أنها (تراكمية)، وتراكميتها يعني القدرة على تجميعها، أو تجميع مصادرها، وإن كان لا يمكن الاستحواذ كاملاً عليها لتعدد تلك المصادر، ولأنها تراكمية، كما تراكم المال مثلاً، فالجميع يمكنه تحصيله!
بل إن آل سعود ـ في قراءتهم للوضع ما بعد شنّ الحرب ـ قدّروا أن الشعب اليمني سيثور على أنصار الله، وسيطيحون بهم، بمجرد أن يروا أن الطرف الآخر هو السعودية وأمريكا و(زبالتهما)؛ وبمجرد أن يحسوا بآثار الحصار جوعاً ومرضاً وفتكاً بقصف الطائرات والقنابل العنقودية.
هنا أيضاً أخطأوا. كيف؟
نحن نفهم ـ ديناً ـ أن هناك قوتان: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) والأخرى (إن يكن منكم عشرون صابرون..).
القوة المادية ليست بديلا عن المعنوية.
القوة المعنوية تعوّض النقص في القدرة المادية، بقدر كبير.
حساب آل سعود: (وإذ زيّن لهم الشيطان أعمالهم، وقال لا غالب لكم اليوم من الناس..).
في نظرية القوة، يُستشهد عادة، بإضافة إسرائيلية (في العلوم السياسية)، جاءت من وحي التجربة الصهيونية في فلسطين، وملخصها التالي: القوة المادية قادرة على إخضاع الخصم إلى الأبد.
فكرتها: نحن الأقوى تسليحا وتجييشا وتحالفاً وإعلاما وأمناً.. ومهما فعل الفلسطيني من اعتراض، فنستطيع إخضاعه،
ليس بدعاً في التاريخ، أن تنتصر شعوب مستضعفة، أو قوى أقلّ بكثير من قوة الخصم (من الناحية المادية)، أو (القوى الظاهرة).
الإشكال في حساب القوى غير الظاهرة، هي التي تؤدي، لى هزائم المتفرعن المتغطرس المعتدي.
قوّة التحمل على الخسائر (الصبر) قوّة لدى شعب اليمن (تجويع وكوليرا وقصف وغيره)
تقدير الروح المعنوية الدينية لدى الخصم إن كان غير صحيح، يصبح المائة مقاتل سعودي مقابل يمني واحد!
اليمني لم يقل: (لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده) (قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) (فهزموهم بإذن الله وقتل داوود جالوت..).
الأخطاء السعودية في تقدير حجم القوة المادية والمعنوية للخصم قادتهم إلى (غرور قاتل) هو ذات الغرور الذي أوقع الصهاينة في هزيمة ٢٠٠٦ في لبنان، بحيث أصبح لبنان الأضعف عسكريا بين الدول العربية، إلى أن يكون هو دون غيره (أو حتى جزء منه) القوة الوحيدة التي تستطيع مجابهة الصهاينة.
هذه التجربة، بل هذه الروح، هي ما جعلت الصهيوني ينهزم في غزة، ولاتزال موازين القوى بين الطرفين الصهيوني والفلسطيني تتقلّص يوماً بعد آخر.
إذا كان الإسرائيلي قد انتصر على سبعة جيوش عربية وأقام دولته على أرض غيره؛ فإن ذات المعايير قابلة للاستخدام لدى كل الشعوب بلا استثناء.
الرياض اعتادت إساءة تقدير قوة الخصم في اليمن وفي غيره.
وإلى هذا اليوم لاتزال عبارات التنقيص والاحتقار والحطّ من شأن اليمني (الحوثي/ الجاهل/ الحافي/ الشرذمة بتعبيراتهم) سارية في الإعلام السعودي.
لكن هذه التعبيرات ذاتها، تنقلب اليوم في غير صالح آل سعود وقواتهم نفسياً ومعنوياً.
المعارضون لآل سعود عليهم أن يدركوا موازين القوى في جوهرها.
لا يقولن قائل: آل سعود عندهم السلاح والمال ودعم أمريكا الخ. فهذه قوى ليست ثابتة، ولا هي بالضرورة قابلة للاستخدام في كل حين، ولا استخدامها بالضرورة يجلب نصراً، وقد يؤدي إلى عكس ذلك تماماً.
لا يفتنّ في عضدكم انتفاخ آل سعود! لا تستشعرون الضعف لأنكم قلّة؛ ولا يجب أن يتسرّب إلى داخلكم استعراضات قوة النظام، والأبّهة التي يظهر بها رموزه على شاشات التلفزيون؛ فما ذلك إلا زبد يذهب جفاءً.
اعرفوا أنفسكم ونقاط قوتكم تكسبون نصف المعركة.
اعرفوا خصمكم وقيّموه على حقيقته، تكسبون النصف الآخر منها.
إذا كان النظام قويّاً، فأين هي نقاط ضعفه.
وإذا كنّا كمعارضين ضعفاء فلنبحث عن مكامن نقاط الضعف لسدّها ما أمكن.
القوة.. يمكن تجميعها بالتفاهم والتعاون والتحالف.
إذا كانت قوة النظام في سلاحه وماله، فلنكسب الشعب فهو أقوى مما لديه.
إذا كان لديه إمبراطورية إعلام، فهي تضيع أمام الحقيقة!
يمكن مواجهة أسلحة النظام المتعددة، إن عرفنا أين ومتى وكيف نكسرها في مناطق ضعفها.
الانسحاب من الساحة بحجة أن النظام قوي، يجعله ينتصر لأنه لا يوجد من يواجهه ويمتحن القوة التي يزعمها.
هذه قوة الرياض في اليمن تتبخّر!
وهذه تحالفاتها السياسية تتبدّد!
وهذه أموالها لا تغني عنه شيئا!
وهذا هو إعلامها (أكبر شبكة إعلام في الشرق الأوسط) ينفق عليها مليارات الدولارات، ومع هذا، فإن سمعة آل سعود تتجه إلى الحضيض بين العرب والمسلمين وكل شعوب العالم بمن فيها الشعب المُسعود. كل يوم أسوأ مما هو قبله!
أمريكا التي رآها البعض قادرة على كل شيء هُزمت مرارا وتكراراً ولازالت!
إسرائيل التي زعم حكامها أنها الأقوى في مدار ٢٠٠٠ ميل من محيطها، صار الغرب يخاف عليها (من شرذمة وعصابة أو بتعبيرهم ميليشيا!!)، ولم تعد ذلك المخلب الذي يعتمدون عليه لتخويف الآخرين!
للقوة مصاديق مادية ومعنوية متعددة، لا تستطيع الرياض ولا أمريكا وغيرها أن تمنع الشعوب من الوصول إليها.
حين بدأت الحرب الملعونة على اليمن، كان الزهو والخيلاء مسيطرا على الأكثرية التي صفقت للحرب، واعتبرها أحدهم أنها جعلته يصحو على وطن جميل!
اسألوه واسألوهم واسألوا أنفسكم أيضا، لماذا تغيرت مواقفكم من الحرب؛ ففي الجواب عناصر القوة التي قد لا تدركونها.
من هو مضلل إعلاميا اكتشف التضليل!
هذا يعني أن هناك حدودا للقوة (الإعلامية) السعودية، والتي زعمت النصر مليون مرة، إلى أن تأكد الجميع بأن الذي يجري هزيمة ليس إلا!
من كان مقتنعاً بأن الحرب العدوانية كانت لصالح اليمنيين، اكتشف أن اليمني كان آخر هم آل سعود. سقطت مقولتهم تحت القصف وسيل الدماء والصور والمجاعة والكوليرا!
من اعتبر الحرب دفاعاً عن النفس، اكتشف خطأ رأيه.
من اعتقد أنها كانت نصرةً للشرعية، اكتشف متأخراً أن الشرعية تنقصها الشرعية.
من دافع عن الحرب لصناعة وطن مسعود ذي هيبة ومكانة سبق أن خسرها آل سعود، فقد رأى الذلّ الذي يعيشه آل سعود بهزائمهم المتعددة.
من اعتقد أن تأييده للحرب.. طاعة واجبة لولي الأمر، وأنه الأعلم والأبخص في فهم شؤون السياسة، اكتشف أن ولي الأمر مجرد أحمق وأهوج وأبعد ما يكون عن الدين، بل ينافق باسم الدين.
اكتشف الجميع حجم القوة العسكرية السعودية، وحجم التحالفات الهشة التي صنعوها تأييدا للحرب ومشاركة فيها، واكتشفنا حجم التضليل والانتفاخ والغرور.
اكتشفنا الخسائر والأثمان الباهظة و(لماذا يكرهوننا؟)!
اكتشفنا أن حرب اليمن.. ليست حربنا، أو ما كان ينبغي أن تكون حربنا.
لقد صغُر النظام وآل سعود في أعيننا. بدا كل شيء مجرد خواء وأوهام وأباطيل، وليست قوة حقيقية.
عاصفة حزم وعزم مجرد هياااااط!
لماذا وكيف قاوم اليمني آل سعود؟
كيف استطاعت (الشرذمة الحوثية) الانتصار على آل سعود وحلفائهم الأمريكان، ومعهم كل دعم الدنيا وآخر المبتكرات في التسليح؟
أنتم أجيبوا على ذلك!
كيف أصبح الجاهل يصنع أسلحته بنفسه؟
كيف أصبح غير المنظّم منظّماً؟
كيف نجح في إدارة ٢٠ مليون يمني وقت الحرب؟
كيف وفّر الأمن في صنعاء و غيرها بأكثر مما وجد في عدن وحواشيها؟
كيف وفّر الغذاء وحسّن وضع الزراعة وخفف بعض الآلام في ميدان الصحة وفي مواجهة الكوليرا؟
كيف أدار الحوثي حواراته السياسية الداخلية والخارجية ومع القوى الإقليمية والدولية؟
نهاية: كيف أصبح (ليس رقماً) بل (الرقم) الأكبر؟
تجميع القوة، ومراكمتها، واستثمار عناصر القوة الذاتية الفنية والعلمية، بما فيها التحالفات الإقليمية، وبما فيها التحالفات الداخلية، وأكد على الجوانب المعنوية والدينية، واذا بمظاهرات المولد النبوي الماضي بالملايين تخطف العقول.
من هو الشرذمة ومن هو الأقلية؟ كيف بدأ وأين انتهى؟