د. نبيل نايلي
“ما هي مهمتنا وما هي استراتيجية خروجنا؟ يحتاج الكونغرس إلى التذكير بفحوى مهام الجيش الأمريكي وطبيعتها!”، عضو مجلس الشيوخ الديموقراطي كريس مورفي.
كشف تقرير كتبه جون هالتونغر، John Haltiwanger، ونشره بـمجلة”النيويورك تايمز،Newsweek” الأمريكية أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “قد زاد عدد القوات الأمريكية والمدنيين العاملين لدى وزارة الدفاع في الشرق الأوسط ليصل إلى 54180 بعد أن كان 40517 في الأشهر الأربعة الماضية أي بزيادة قدرها 33 %.
ولا يمثل هذا العدد الارتفاع الكبير المسجّل في صفوف القوات المتمركزة في أفغانستان منذ إعلان ترامب عن استراتيجيته الجديدة لمكافحة حركة الطلبان في أواخر آب / أغسطس 2017.
هذه الأرقام، التي أوردها أول مرة على حسابه في تويتر الخبير في السياسة الخارجية، الدكتور ميكا زينكو، Micah Zenko، مأخوذة نقلا عن تقارير صادرة عن مجلة “البنتاغون” الفصلية. وبعبارة أوضح، فإن هذه الأرقام ليست سرية بالمرة. وهو الأمر الذي يثير المخاوف بشأن عدم وجود خطاب واضح حول توسع الجيش الأمريكي في المنطقة التي لديها بالفعل تاريخ طويل ومعقّد.
واستنادا إلى آخر تقرير نشر في الـ 17 من تشرين الثاني / نوفمبر2017، فإن عدد الجنود الأمريكيين والمدنيين العاملين لمصلحة وزارة الدفاع الأمريكية في كل دولة من دول الشرق الأوسط هو كالتالي: مصر: 455، الكيان الصهيوني: 41، لبنان: 110، سوريا: 1.723، تركيا: 2.265، الأردن: 2.730، العراق: 9.122، الكويت: 16.592، المملكة العربية السعودية: 850، اليمن: 14، عُمان: 32، الإمارات العربية المتحدة: 4.240، قطر: 6.671، والبحرين: 9.335.
على سبيل المقارنة، هذه أرقام شهر يونيو/حزيران 2017: مصر: 392، الكيان الصهيوني: 28، لبنان: 99، سوريا: 1.251، تركيا: 1.405، الأردن: 2.469، العراق: 8.173، الكويت: 14.790، المملكة العربية السعودية: 730، اليمن: 13، عُمان: 30، الإمارات العربية المتحدة: 1.531؛ قطر: 3.164 أما البحرين فكان بها فقط 6.541.
وكما تبين الأرقام، فإن كل البلدان تقريبا شهدت ارتفاع عدد العسكريين الأمريكيين خلال هذه الفترة.
وكانت إدارة ترامب قد تحدثت عن الزيادة الأخيرة في القوات المنتشرة في أفغانستان حيث حققت حركة طالبان مكاسب كبيرة خلال العام الماضي. علما أنه يوجد حاليا حوالى 14 ألف جندي أمريكي في أفغانستان.
ارتفاع عدد الجيش الأمريكي في أماكن أخرى في الشرق الأوسط لم يمر مر الكرام فقد انتبه له المهتمون بالشؤون العسكرية والاستراتيجية.
وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس صرح في مايو / أيار 2017: “لقد انتقلنا بالفعل من تكتيكات الاستنزاف، حيث نقلنا [تنظيم الدولة الإسلامية] من موقع إلى آخر في العراق وسوريا، إلى تكتيكات الإبادة التامة حيث نحيط بهم..نيتنا ألاّ ينجو المقاتلون الأجانب ومنعهم من العودة إلى شمال إفريقيا أو أوروبا، أو أمريكا أو آسيا. لن نسمح لهم بذلك. سنوقفهم هناك وندمر دولة الخلافة”.
ويبدو أن البعض في الجيش الأمريكي ليسوا على دراية بالزيادة الأخيرة في عدد الموظفين في المنطقة. ففي 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، أي قبل يوم من طرح أحدث الأرقام، سئل المدير العام للخدمة المشتركة الجنرال كينيث ف. ماكنزي، General Kenneth F. McKenzie Jr، عن أعداد القوات في كلّ من سوريا والعراق في مؤتمر صحفي، فقال: “في سوريا، لدينا خمسة 503، وفي العراق، لدينا ما يقرب من 5.262، وأعتقد أن هذا هو الرقم المحدد.”. بيد أن التقرير الجديد يؤكد أن الولايات المتحدة لديها 1720 جنديا في سوريا و8.992 جنديا في العراق.
ومع وصول ترامب في البيت الأبيض، حدثت زيادة في وفيات عدد القوات الأمريكية العاملة في الخارج، بالإضافة الى ارتفاع كبير في عدد القتلى المدنيين نتيجة الضربات الجوية. هذا العام هو المرة الأولى منذ 6 سنوات التي قتل فيها المزيد من القوات الأمريكية العاملة في الخارج مقارنة بالعام السابق (31 قتيلا في عام 2017، و26 قتيلا في عام 2016، و28 قتيلا في عام 2015). وعلاوة على ذلك، حتى آب / أغسطس 2017، فإن مزيدا من المدنيين قد قتلوا أثناء محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” جراء تعليمات الرئيس ترامب.
بالإضافة إلى تعداد القوات الأمريكية زاد ترامب أيضا من عدد الضربات الجوية في أفغانستان بشكل كبير. وفي 31 تشرين الأول / أكتوبر 2017، أطلقت الولايات المتحدة أفغانستان بـ 3554 قنبلة سنة 2017، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف عددها البالغ 1337 قنبلة في عام 2016، أي بما يعادل أربع مرات تقريبا مقارنة بعام 2015.
وفضلا عن الشرق الأوسط، ضاعف ترامب من نشر قوات عسكرية في الصومال هذا العام، ليصل العدد الإجمالي في البلاد الإفريقية إلى ما يقرب 500. وفي مايو / أيار 2017، قتل عنصر من القوات البحرية الأمريكية في الصومال خلال غارة على مجمّع الشباب، وهي المرة الأولى التي يُقتل فيها عضو في الخدمة الأمريكية هناك منذ حادث “بلاك هوك داون، Black Hawk Down” الشهير في عام 1993 عندما قتل 18 أمريكيا.
كما زادت الولايات المتحدة من ضرباتها الجوية في الصومال تحت قيادة ترامب، مما أسفر عن مصرع أكثر من 100 من عناصره من الجيش الأمريكي. وعلاوة على ذلك، شنت أول غارة جوية على تنظيم “الدولة الإسلامية” في الصومال تحت إمرة الرئيس ترامب في أوائل تشرين الثاني / نوفمبر 2017. ويطالب البعض في الكونغرس زملاءهم الآن بمنح هذه التطورات مزيدا من الاهتمام وتحمل المسؤولية لإدارة ترامب.
يقول هالتونغر “في الوقت الذي يوسع فيه ترامب عملياته العسكرية في المسارح المتعددة، لا تزال هناك أسئلة معلقة حول ما إذا كان الأمريكيون يعرفون حقا ما يتم القيام به باسمهم في الخارج”. ويطالب البعض في الكونغرس الآن زملاءهم بمنح هذه التطورات مزيدا من الاهتمام وتحمل المسؤولية إزاء إدارة ترامب.
إن هذه الزيادة الهامة في نشر القوات الأمريكية والمتعاقدين معها والذين يقاتلون في إطار حروب ظلّ غير معلنة لا تشكل خطرا أمنيا كبيرا على الولايات المتحدة، فحسب، بل إنها أيضا خطرا على مستقبل الشرق الأوسط ومستقبله الأمني. فالأميركيون لديهم الحق في معرفة ما تخطط له إدارة الرئيس ترامب.
يتسّاءل عضو مجلس الشيوخ الديموقراطي كريس مارفي، Senator Chris Murphy، فيقول: “ما هي مهمتنا وما هي استراتيجية خروجنا؟” ليخلص إلى أن “الكونغرس يحتاج إلى التذكير بفحوى مهام الجيش الأمريكي وطبيعتها” وبدء طرح المزيد من الأسئلة.
هذا ما يقوله كريس مارفي فماذا عن أهالي الشرق الأوسط المعنيون قبل غيرهم بهكذا زيادات في عدد الجنود الأمريكيين وتداعياته على أمنهم ومستقبل بلدانهم المستباحة؟
*باحث في الفكر الإستراتيجي الأمريكي، جامعة باريس.