كمال خلف
سبع سنوات مرت على دولنا وشعوبنا كانت سبع عجاف بدقة الكلمة ، انقسم فيها عالمنا العربي ، تحت وطأة التحريض المذهبي والطائفي ، ولغة الانتقام والقتل والسحل، أطلقت يد الغرائز ، وأطلق عقال المال يعبث بالأرواح و النخب ووسائل الإعلام . لا صوت يجب أن يعلو على صوت الاقتتال الداخلي . فتحت بوابات العواصم العربية للتدخلات الخارجية . وباتت قضية العرب المركزية فلسطين في آخر سلم الاهتمام .
دفعت فلسطين وشعبها ثمنا باهظا ، وهذا حضر البيئة السياسية لإسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة لتكون أكثر جرأة ووضوحا في مد اليد لتصفية ما تبقى من القضية . فأي طقس أنسب من الحالة الراهنة لفعل هذه الجريمة . الجيوش العربية المعول عليها مستنزفة في قتال الإرهاب المنتشر ، و الشعوب تلهث وراء استقرارها ووحدة جغرافيتها ، ولقمة عيشها . وما تبقى من أنظمة باتت لا تتحرج الاقتراب بل التحالف مع إسرائيل لمواجهة ايران .
حتى جاءت لحظة الاختبار حين وقف أمس ساكن البيت الأبيض ووراءه مايك بنس الرجل المنتمي إلى تيار المسيحية الصهيونية ، ليرمي في وجه العالم قراره بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل .
المفارقة المحزنه أن الرئيس ترامب استقبل قبل أشهر في الرياض بحضور قادة من العالمين العربي والإسلامي ، كما لم يستقبل أي رئيس أمريكي ، وأكثر من هذا وضع أبناء جلدتنا في جيبه 400 مليار دولار . فكيف يمكن أن نأمل أن يقف هؤلاء اليوم في مواجهة ترامب وقراره؟؟
حسب ما فهمنا من مختصين بالشأن الأمريكي والإسرائيلي فأن الطرفين لديهم تقديرات تقول ان القرار سيكون له تداعيات لن تخرج عن السيطرة ، وأن الهبة الجماهيرية أن حصلت ستكون مؤقته ، ثم سيبتلع الجميع هذا القرار ، ربما التقديرات تقوم على تجارب سابقة ، يستفيق فيها الشارع العربي ثم يعود سريعا إلى السبات والرضوخ للأمر الواقع .
رغم هذا الواقع المأساوي والقرار الخطير ، إلا أن ثمة فوائد قد تكون غابت عن تقديرات وواشنطن وحليفتها. أولها أنها أعادت القضية الفلسطينية إلى مكانها الطبيعي في أعلى سلم الأولويات . وهذه خدمة قدمها قرار ترامب ، بينما فشلت كل المحاولات والأصوات الصادقة طوال السنوات الماضية في إعادة الأخوة التائهين إلى البوصلة الصحيحة .
و اكتر من هذا ، هو وضع الجميع أمام لحظة الحقيقة ، و أمام اختبار سيكشف من مع القضية فعلا ومن في صف إسرائيل . وأكثر من هذا أيضا ، هو أعطى فرصة للقوى والتيارات والأحزاب والجماهير العربية ، لإعادة حشد طاقاتها وإمكاناتها ، لاختبار محاولة نهوض جديدة . قد تعيد شيئا من الأمل في روح هذه الأمة ، وتفرمل المندفعين نحو التحالف مع إسرائيل ، وتحرجهم وتخيفهم.
في العجاف السبع كانت سوريا أرض الجهاد ، ومصر ، وليبيا ، وتونس ، ولبنان . والآن أن الأوان لاخراس ، مشايخ الفتن ، ودعاة التحريض ، وعلماء المال الوفير ، وإعادة مفهوم الجهاد إلى قدسيته و طهره وأرضه الحقه، وهي الأرض المحتلة .
إن سيل المواقف الرافضة للخطوة الأمريكية من أنقرة إلى دمشق وطهران وبيروت و الدوحة و القاهرة وبغداد وغيرها ، هي فرصة لإعادة رأب الصدع والإنقسام الذي عانت منه المنطقة في السنوات السبع العجاف . والإجتماع مرة أخرى تحت لافتة الدفاع عن القدس وفلسطين . إنها فرصة حقيقة لكنس السنوات العجاف ، وإعادة رسم التحالفات على قاعدة الأولوية للقضية الفلسطينية.
كاتب واعلامي فلسطيني