فشلت الأمم المتحدة ومبعوثها في عقد الجولة الثانية من المفاوضات بعد مرور فترة الإجازة التي أعلنها ولد الشيخ في ختام الجولة الأولى خلال مؤتمر صحفي عقده في الكويت قوبل بإعلان رفض مباشر من وفد الرياض الذي غادر الكويت قبل المؤتمر الصحفي بيوم واحد، حيث أعلن وفد الرياض بشكل قاطع رفضه العودة للكويت، معتبرا أن الحل السياسي المقدم من ولد الشيخ يعني شرعنة ما يسمونه “الانقلاب”، في إشارة واضحة إلى أن الحل بني على رؤية الوفد الوطني القادم من صنعاء الذي أحرج الأمم المتحدة باعتباره الصيغة المنطقية، وظل ولد الشيخ يواصل تحركاته في محاولة للوفاء بالتزاماته.
وبعد مساعٍ حثيثة دولية وإقليمية، نجح ولد الشيخ في إقناع السعودية بإعادة الوفد للكويت، غير أن ذلك اقترن بورقة سعودية قدمتها مختلفة عن الورقة التي قدمها ولد الشيخ، تلك الورقة السعودية سُربت عبر وسائل إعلامية غربية، وسرعان ما كانت محل إعاقة لعودة انقعاد المشاورات بعد أن انطلق وفد صنعاء إلى مسقط باكرا.
انعقاد الجولة الثانية لم يكن مبشرا، ولم تكن تفاصيلها ذات أهمية في التناول غير أنها كانت مجرد أيام لترتيب وإخراج فشل المشاورات برمتها، وكان من أبرز ما شهدته تلك المشاورات سفر المبعوث الدولي ورئيس وفد الرياض إلى موريتانيا للمشاركة في قمة إسلامية، وهو ما استغرق أسبوعا، في ما وصف بأنه تجاهل للمشاورات.
في تلك الأثناء أعلنت الكويت مهلة 15 يوما للتوصل لاتفاق وإلا فسيتم إنهاء استضافتها، وكانت هذه بداية نهاية مشاورات الكويت. كما أن الأخذ والرد حول الورقة السعودية وورقة ولد الشيخ المعدلة والحل المجزأ والمتزامن وما إلى ذلك لم يصل إلى نتيجة، بل كانت الأيام تكشف ضعف الأمم المتحدة وفشلها في ضبط إيقاع التفاوض من حيث المبدأ، مما أخرج الأمور عن سيطرتها، وانتهت المهلة الكويتية ليعود الوفد الوطني إلى مسقط، وتحدث الفضيحة الأكبر للأمم المتحدة.
احتجاز وفد صنعاء
لم تخجل الأمم المتحدة من عجزها عن إعادة الوفد الوطني من مسقط إلى صنعاء بعد فشل مشاورات الكويت، حيث رفض تحالف العدوان السماح للطائرة العمانية أن تعبر أجواء اليمن كما هو معتاد في كل المراحل السابقة، وفي نفس الوقت كان تحالف العدوان قد فرض حصارا جويا منع من خلاله الطائرات المدنية والتجارية من الوصول إلى مطار صنعاء، في خطوة وصفت بالتصعيدية، تزامنت مع تشديد الحصار البحري وتضييق الخناق على الوضع الإنساني بالتزامن مع التصعيد الميداني والجوي.
وبرغم محاولات الأمم المتحدة تغطية فضيحتها عبر طرح مقترحات بنقل الوفد إلى صنعاء عبر طائراتها، فإن ذلك جاء عبر شروط مهينة وتعجيزية، الأمر الذي اضطر الوفد للإقامة في عُمان لما يقارب الثلاثة أشهر، وخلال تلك المدة الطويلة ظهرت إرهاصات وتحركات كثيرة أبرزها زيارات الوفد لعدد من دول العالم.
إعلان كيري
بعد عودة الوفد الوطني إلى صنعاء بأيام، غادر وفد من أنصار الله إلى مسقط مجددا، وخلال تلك المرحلة زار الوفد الصين وروسيا، ووصفت تلك الزيارات بأنها مثمرة، لا سيما فيما يخص اطلاع تلك الأقطاب الدولية الفاعلة على تفاصيل القضية اليمنية واستقطاب موقفها قدر الإمكان.
كان أبرز ما أسفرت عنه تلك المرحلة هو إعلان كيري الشهير عن اتفاق بين اليمن والسعودية، بعد أسبوعين من اجتماع عقدته الرباعية في لندن، جرى ذلك خلال جلسة عقدت بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وبين وفد أنصار الله، على مدى ليلة كاملة أعلن على إثرها كيري عن اتفاق مفاده استئناف المفاوضات ووقف شامل لإطلاق النار وتشكيل سلطة جديدة قبل نهاية عام 2016.
تصريحات كيري، لم تكن بالحجم الذي صوره الإعلام حينها، بل ظهر بأنه مجرد تفاهم على مبادئ، فيما بقي الأمر مرتبطا بالسعودية والإدارة الجديدة للولايات المتحدة، ومدى جدية الأخيرة في وقف شامل للحرب ورفع الحصار، ومن ثم الدفع باتجاه توقيع اتفاق شامل ينهي الأزمة ويفضي إلى تشكيل سلطة جديدة، وهو ما وضع كل تحركات كيري في خانة المحاولات الفاشلة في الوقت الضائع.
قوبل ذلك الاتفاق برفض وفد الرياض، وقالت مصادر دبلوماسية مطلعة إن رفض طرف الرياض ترجمة لرفض سعودي للاتفاق الذي عقده وزير الخارجية في الإدارة الأمريكية المغادرة بعد فوز الرئيس الجديد ترامب بالانتخابات. أما أنصار الله، التي تعد طرفا في تلك التفاهمات، فقد أعلنت موقفها عبر تصريح متلفز لرئيس وفدها وناطقها الرسمي محمد عبد السلام، الذي قال: جاءت أمريكا لتمثل دول العدوان، وكنا نجلس تحت إشراف الطرف العماني الذي هو طرف متابع ومراقب وضامن لأن تلتزم أمريكا وتُلزم مرتزقتها وأن تفي الدول الأخرى بتعهداتها، مشيرا إلى تعويل جماعته على استمرار الدور العماني في التواصل مع المجتمع الدولي، مضيفا: نحن جادون من أجل السلام ولا نقبل بأي تجاوزات أو التنازل عن حقوقنا.
ووصف محللون وسياسيون اتفاق كيري بأنه يأتي في سياق محاولة إدارة أوباما تصفية أوراقها في المنطقة قبيل تسليم السلطة، وهو ما دفع السعودية لإفشاله باعتبار أنها سترتب مع الإدارة الجديدة الملف اليمني، حسب ما جاء في تصريحات لمسؤولين سعوديين ومسؤولين في حكومة هادي بالرياض.
تحركات الأمم المتحدة
تحركات المبعوث الدولي التي أعقبت إعلان كيري لم تنقذه، بل ربما أسهمت في إفشاله، فالمدة المحددة لاستئناف المفاوضات وتشكيل سلطة جديدة بحسب الاتفاق الذي أعلنه كيري انتهت دون أن ينجز شيء مما تم إعلانه، حتى وقف النار الذي يفترض أن يكون أول الخطوات أعلنه مبعوث الأمم المتحدة بشكل مختلف ويتفق مع ما تريده الرياض التي أعلنت هدنة انتهت قبل أن تسري.
تسلم إدارة ترامب البيت الأبيض كان بمثابة وفاة طبيعية لإعلان كيري، الذي أصبح غير موجود في التناول الدولي للأزمة اليمنية، واستمر التباطؤ في التحرك الذي تبذله الأمم المتحدة، التي ظل مبعوثها يراوح مكانه في مهمته التي لم ينجح في أي مرحلة من مراحلها.
وفي محاولة منه لإنقاذ مهمته أمام الأمين العام الجديد للأمم المتحدة، أجرى ولد الشيخ جولة شملت صنعاء وعدن والرياض والكويت، وكانت قد برزت بعض الأنباء عن وجود مقترح جديد لولد الشيخ يتضمن خارطة طريق جديدة أو معدلة، وهو ما لم يكتب له النجاح، ووصفت تلك التحركات بأن الغرض منها جمع مادة للإحاطة التي تقدم بها المبعوث أمام مجلس الأمن وبدا فيها مجافيا للواقع وبعيدا عن الحل، وأقل بكثير من مستوى المهمة المكلف بها والمسؤولية الضخمة تجاه أخطر ملف وأسخن وضع في العالم.
نهاية مهمة ولد الشيخ
وصف مراقبون وسياسيون فشل المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ بـ”غير المسبوق في تاريخ الوساطات التي تبنتها الأمم المتحدة”، إذ إنه طوال مهمة الألف يوم لم ينجز أي اختراق في الملف اليمني الذي كُلف بحله، خاصة وأنه في كل مرحلة تفاوض ومشاورات ينتهي ولد الشيخ إلى نقطة فشل وفضيحة انحياز لطرف العدوان.
كما أن انكشاف انحيازه إلى طرف العدوان، وأبسط أدلته إداناته المتكررة لصواريخ الجيش واللجان الشعبية اليمنية التي تستهدف أهدافا عسكرية سعودية، مقابل تجاهله مئات المجازر بحق المدنيين وجرائم الحرب التي لم يُكلف نفسه حتى بمجرد إدانتها شكليا، وهو الانكشاف الأول من نوعه في تاريخ الدبلوماسية الدولية، واعتبر فضيحة كبيرة للأمم المتحدة، دفعت السلطات في صنعاء إلى رفض التعاطي معه وحتى مجرد مقابلته، حين جاء في زيارته الأخيرة إلى صنعاء حاملا مقترح تسليم الحديدة.
ولعل مقترح تسليم الحديدة كان آخر مسمار في نعش التحركات الدولية الهزيلة، إذ بدا أن المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ مجرد رسول يحمل مطالب العدوان السعودي الأمريكي، ويسعى لتحقيق ما عجز عن تحقيقه العدوان بالحرب، دون مراعاة لأدنى معايير وضوابط العمل الأممي المفترض أن يكون حياديا.
كان هذا التحرك الأممي بمثابة إعلان انتهاء دور الأمم المتحدة في الملف اليمني وليس فقط نهاية وساطة ولد الشيخ، ليصبح القرار بيد الميدان في حسم الملف اليمني الذي لا يبدو أن المجتمع الدولي يمتلك قرار حسمه سياسيا، في ظل عدم تحقق الأهداف الأمريكية والإسرائيلية من وراء كل هذه النيران التي تحرق اليمن.