اكتب لكم من طهران على وقع مظاهراتها.. والفرق بين واقعها وصورتها في الفضاء وطاحونة الهواء على وسائل الإعلام العربية

 

 

كمال خلف

حطت طائرتي فجرا في مطار الأمام الخميني  على أطراف العاصمة طهران ، لذلك لم يكن سوى السائق مصدرا اخباريا لما يجري في البلاد ،  فقد تتبعت المعلومات  عبر وسائل الإعلام من هاتفي أثناء الرحلة الطويلة .

قال السائق أن هناك مظاهرات  بسبب غلاء الأسعار انطلقت في اكتر من مدينة  ، وأن طهران شهدت تظاهرات متفرقة  السبت تركزت  في جنوب العاصمة تحديدا . لم يكن في ما قاله جديد عما سمعناه . إلا أنه أسهب في إلقاء اللوم على الرئيس روحاني وأنه ليس صاحب إنجازات  تؤهله كي يستلم رئاسة الجمهورية .  وإن رئيس بلدية طهران السابق ومرشح الانتخابات الرئاسية  الماضية علي قاليباف كان الأجدر .

في صباح اليوم التالي  كانت عناوين الصحف الايرانية تنقل من  خطاب الرئيس حسن روحاني أن هناك ثمة مطالب محقة و يجب على الحكومة أن تعالجها ، وأن هناك أيضا تدخلات خارجية تحاول الاستفادة من التظاهرات .

هناك شبه إجماع   لدى غالبية النخب السياسية والاعلامية الايرانية أن هناك تأثيرا خارجيا ، و محاولات لزعزعة استقرار ايران ، وجدت في التظاهر ضد الغلاء و إفلاس بعض البنوك الخاصة والإجراءات الاقتصادية لحكومة روحاني مدخلا لطرح شعارات سياسية كانت منسقة وواحدة في كل المناطق التي شهدت تظاهرات .

ما هو متوقع الآن على الصعيد الحكومي هو التراجع عن بعض الإجراءات ، وخاصة رفع أسعار الوقود والضرائب المضافة على المواطنيين مثل ضريبة السفر وغيرها .  هذا بات مرجحا إلى حد كبير.

يقول العارفون بالشأن الحكومي هنا ، أن حكومة الرئيس السابق  أحمدي نجاد بالغت في حجم الدعم الحكومي خلال سنوات عهده ، وأن هذا سبب مشكلة لحكومة روحاني التي تحاول تأمين موارد لهذا الدعم . ويبدو أن نتائج الإتفاق النووي المبرم في 15 تموز يوليو 2015  مع الدول الغربية   لم يعط ثماره  كما توقعتها حكومة روحاني حتى اليوم ، إذ أن كل الزيارات التي قام بها دبلوماسيون أوربيون إلى إيران كانت استكشافية لدراسة إمكانية الاستثمار ،  فلا فائدة اقتصادية يعتد بها جنتها طهران  من إبرام الاتفاق حتى اليوم .

لايبدو حجم التظاهرات في طهران و  التي تبعتها عن كثب من ميدان انقلاب الى  تقاطع شارع ولي عصر الى محيط جامعة طهران في مساء اليوم التالي لوصولي ، يوازي حجم الصدى الذي أخذته هذه التظاهرات في  سائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي . الإعداد قليلة لا تتجاوز العشرات . وفي بعض الأماكن عدد رجال الشرطة يفوق عدد المتظاهرين . ما يقوله الإيرانيون  هنا ، أن الأعداد أكبر في المدن الأخرى وهناك حديث عن مقتل رجل شرطة على يد مسلح في مدينة نجف آباد  في حين هناك أرقام تتحدث  عن 12 قتيل في مدن عدة خلال الأيام الماضية    .  في يوم أمس الاثنين كانت الأعداد وأماكن التظاهر على حالها ، وخفتت نسبيا في العاصمة أعمال الشغب .

الغريب هو الحملة التي تشنها بعض وسائل الإعلام العربية والخليجية على وجه التحديد ، هي أشبه “بغناء في الطاحون” إذ لا تتابع الغالبية العظمى من الشعب الايراني وسائل الإعلام العربية ، ولا مواقع التواصل باللغة العربية . وهذا ربما سبب عدم إغلاق ايران مكتب” قناة الجزيرة”  في طهران ، طوال السنوات الماضية التي كانت فيها القناة تشتم الجمهورية الاسلامية ورموزها قبل أن تعود و تتخذ خطأ أكثر اعتدالا  .

هذه الحملات خليجية الطابع لم تتعلم من درس العام 2009 أثناء الاحتجاجات الكبرى بعد الانتخابات الرئاسية ، إذ أن هذه الحملات جاءت بنتائج عكسية نظرا لحساسية الشعب الايراني ونخبه السياسية والفكرية من فكرة التدخل الخارجي في شؤونهم سيما إذا أتى  من السعودية .  تبقى محاولات التأثير وإرسال الإشارات إلى الداخل الإيراني من قبل الغرب الأكثر جدية . و بعيدا عن غناء الطاحون في الإعلام العربي  ، تلمس ايران جديا محاولة أمريكية لارباك ساحتها الداخلية ،  بيد أن فشلها هذه المرة أيضا سيحمل نتيجة مفادها أن النظام في ايران سيكون أقوى في المرحلة المقبلة .

نذكر هنا على سبيل ضرب المثال إلغاء إضراب السائقين العموميين في طهران  يوم أمس ، حيث أصدر المضربون بيانا قالوا فيه أنهم لايريدون أن يستغل الأعداء والمخربون إضرابهم للاضرار بالبلاد.

الشعب الايراني شعب حي ، وهو ليس شعبا مسلوب الإرادة أو مغلوبا على أمره ، كما يصفه الأمريكيون وبعض العرب . والتظاهرات ليست حدثا جديدا في ثقافته وطرق تعبيره. حدث مرارا خلال السنوات الماضية أن  تظاهر الآلاف و كانت  التظاهرات أغلبها ذات طابع اقتصادي عدا طبعا تلك التظاهرات الحاشدة 2009 على إثر انتخاب الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد لولاية ثانية ، كانت بمضامين سياسية استهدفت النظام نفسه . إلا أن استغلال التظاهر والتعامل معه انه حالة فريدة ستفضي إلى تغيير النظام ، هذا بتقديرنا وكما شاهدنا الوضع على أرض الواقع ضرب خيال.

أحمدي نجاد ، الذي تصدت حكومته لمظاهرات واسعه ضد انتخابه قبل 9 سنوات  ، هناك من يحمله اليوم  مسؤولية الأحداث الراهنة ، إذ أن أنصاره هم من حشدوا للتظاهر في مدينة مشهد تحديدا. الرجل يظهر تمردا غير مألوف ، وبدا كلام المرشد الافت عنه بأنه يعمل ضد النظام ترجمة لمسار أحمدي نجاد الجديد . إذ قال أحمدي نجاد علنا عندما وجه له اللوم لانتقاده المرشد الأعلى ….” بأن المرشد شخص عادي هل من ينتقده يدخل الجحيم “؟.

أبرز مساعدي أحمدي نجاد” حميد بقائي” جرى اعتقاله بتهمة الفساد والحكم عليه بالسجن 63 عاما .  فهل يقف أحمدي نجاد اليوم مع أنصاره وهم جزء من التيار المحافظ في طليعة حركة الاحتجاج الراهنة ؟؟ وأي مستقبل ينتظره اذا سار في هذا النهج حتى النهاية؟.

إيران هي جزء من هذه المنطقة ، وأي خلل في استقرارها سوف يؤثر على الجميع وتحديدا الجوار ، وأي ضعف في نظامها يعني بالضرورة قوة لإسرائيل .  ونتمنى أن يدرك الجميع هذه الحقيقة.

 

كاتب واعلامي فلسطيني

إغلاق القائمة